احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

بَين الحِمَام و الأمَانِي (وقفة)




لَذَائِذ الدَهر تَفنَى ، و عَجَائِبُه مَاضِية تُعَلِمُنَا شَيئًا مِن سُنة الله فِي الذِين خَلَو ، شَيئًا قَد أُنسِينَاه فِي خِضّم أَمواج الفِتَن الصَارِفَة عَن مِيقَاتِنَا الذِي لَن يُجَاوزه بَشَر ، حَتَى يَتَذَوقَ مِن مُرّه ، و يَشَرب من كَأسِه الدهاق ، هَا هِي سُنُن الله تُعلمُنا ، و هَا هُو ربّ العِزة يَقُول لنا ( 
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ ) ، لا مَلكُ يَبقَى عَلَى عَرشَه ، و لا غَني يَفر من سُلطَان الله ، و لا طَاغِية إلا و يَعُود مُرغَمًا حَتى يُمرغّ أَنُفه فِي التُراب ، و يُسدل عَلى جُثمَانه الثَرى ، فَلا أَحَد يَعلو ، و لا أَحَد يَبَقَى ، لأنَ البَقَاء لمَن تَفَرد بِالبقاء ، و العِزةُ لمَن تَفَرد بِالعِزة ، و العُلُو لله الوَاحِد القَهَار :


تَأَهَب لِلذي لا بُد مِنه = فِإن المَوت مِيقَاتٌ العِبَاد

أَمَا وَ الله إنّ سِهَام المَنُون فِي كُلّ يَوم لهَا منَا نَصِيب ، مَا نُجَاوز العَامَ حَتَى نَرَى صَرعَى لِلمَوت قَد أُهِيل عَلَيهِم التُراب ، و فَارَقُوا الأَهَل و الأَصحَاب ، ألا إنّ الظَاعِنين فِي البلى ، قَد ذَاقُوا الحِمَام و إِنَ لنَا ممَا ذَاقُوه نَصَيب ، فيَا لله مَا بَالُنا لا نَرّعَوي ؟! ، فَها هُم لَم يَخرُجُوا من الدُنيَا إلا بِقُطن و خِرقَة قَد بَلِيَت ، وضَلّت مَنَازِلُهُم خَاوِيَة عَلى عُرُوشِهَا ، و لَن يَطُول بِنَا الأَمد حَتى يَضل أَحدُنا ثَاويًا فِي قَبره صَريعًا مُجَندلًا لا يُؤنسُه أَنِيس ، مَا لَه مِن الله مِن عَاصِم ، حَالُنا :

خُلقنَا لمماتِ و لَو تُرِكنَا = لضَاق بِنَا الفَسِيح منَ الرِحَاب

كم من صَرعَى للأمَانِي قَد مَالُوا عَن الآخِرَة مَيلًا عَظِيمًا ؟!، وَ جَابَوا أَقَصَى الأرضِ و أَدنَاهَا طَلبًا لِدُنيَا ، و زَهِدُوا أن يَحمِلُوا مَعَهُم من زَاد العَمَل شَيئًا ، و كَأنّهُم مَا سَمِعُوا الله يَقُول (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنقَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَاأَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَاللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .

إِنهَا الأمَانِي تَجعَلُنا نَنسَى المَنون ، تُغّيبُنَا فِي رِحَاب الشَهَوات فَنَمضِي إليهَا ، و تُزيّن لنَا التَوَاكُل عَليهَا ، فَمَا نَلَبَثُ حَتَى يَسّبِقُنا المَوت إِلَى مَا نَتَمنّى ، لَيتَ شِعري ؟! كَم نَفِرٌ منَ الرَدَى و نَحنُ إلَيه نَسِير ؟ و كم نَنسَاه و هُو يَطّلُبُنَا ؟ و كَم نُعرضٌ عَنه و هَو يُقبِل إلينَا ؟ دَعْ عَنَك لفَيِفَ الأمَانِي ، و الله إِنَهَا سِهَامٌ لا مَفَرً منهَا ، و الله إِنَك لذَائُقهَا : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) ، أَيُهَا الإنِسَان الضَعِيف تُرِيد الفِرَار من المَوَت و تَفِرٌ إلَى الدُنيَا ، تَبني القُصُور ، و تَغِيبُ تَحَت وطّأة التَمَني أَمَا سَمِعت (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) .



لا فِرَار مِن المَوت إلى الدُنيا ، و لا مِن المَنون إلِى الأمَانِي ، و لَكِن فِرَارًا إلِى الله و تَوكّلًا عَليه ، و عَمَلًا برضاه ، و اجتنابًا لمَا نَهَاه ، إنِهَا الدُنيَا مَزرَعَةٌ الآخِرَة ، و مَيدَان الكِفَاح للفَوز بِجنّة الله ، أو نَدَاَمة يعضّ فِيهَا الظَالم لنفسِه يَديه ، و يَشرَقٌ بِالأمَانِي يَلُوم نَفسَه (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً ) .



بَين سِهَام الحِمَام و ضُرُوب الأمَانِي تَقِف أنَتَ لتُقرر مَصِيَرَك !!

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق